إن قصة يوسف عليه السلام تعد من أبرز القصص القرآنية التي تحمل العديد من العبر والدروس. ولفهم السبب وراء محاولة إخوته قتله وإلقائه في الجب، علينا أن نتعمق في السياق الذي جاءت فيه هذه الحادثة، والآيات القرآنية التي تناولتها، والتفسيرات التي أوردها العلماء والمفسرون.
السياق العام للقصة:
القصة تبدأ عندما رأى يوسف عليه السلام رؤيا تخبر بمستقبله العظيم، حيث رأى الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا يسجدون له. وعندما قصّ هذه الرؤيا على أبيه يعقوب عليه السلام، أدرك الأب الصالح أن هذه الرؤيا تشير إلى مقام رفيع سيصل إليه يوسف، فنصحه بعدم إخبار إخوته بهذه الرؤيا خشية أن يحسدوه.
ولكن الغيرة والحسد كانا قد تسللا بالفعل إلى قلوب إخوته، ليس بسبب الرؤيا فحسب، بل بسبب حب يعقوب الكبير ليوسف وتفضيله عليهما. وهذا الحب الخاص كان سببًا في إشعال نار الغيرة في قلوبهم، مما دفعهم إلى التفكير في التخلص من يوسف حتى يحظوا باهتمام والدهم الكامل.
سبب محاولة قتل يوسف:
كان الحسد هو الدافع الرئيسي وراء محاولة إخوته قتل يوسف. لقد رأوا في يوسف منافسًا لهم في محبة والدهم، وكانوا يعتقدون أنه بزوال يوسف، ستنتقل تلك المحبة إليهم. في القرآن الكريم، جاء قوله تعالى على لسانهم:
“اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ” (يوسف: 9).
هنا يظهر بوضوح أن الدافع كان الاستحواذ على محبة الأب، مع وعد داخلي بينهم بأنهم سيتوبون بعد تنفيذ خطتهم.
تفاصيل المؤامرة وإلقاء يوسف في الجب:
عندما قرر الإخوة التخلص من يوسف، اختاروا حيلة مفادها أن يطلبوا من والدهم السماح لهم بأخذه معهم في رحلة للعب والمرح، حتى ينفذوا خطتهم بعيدًا عن الأنظار. وبالفعل، بعد أن وافق يعقوب على مضض، أخذوا يوسف وبدأوا في تنفيذ خطتهم.
تشير الآيات إلى أنهم بعد أخذ يوسف بعيدًا عن والدهم، أظهروه له العداوة الشديدة، وجعلوا يعاملونه بقسوة. وعندما وصلوا إلى الجب، نزعوا قميصه ليلطخوه بدم كاذب كدليل على ادعائهم بأن الذئب قد أكله.
لكن الله سبحانه وتعالى كان له تدبير آخر. ففي الوقت الذي ألقوا فيه يوسف في الجب، أوحى الله إليه بأنه سينبئهم بأمرهم هذا في المستقبل، وهم لا يشعرون. هذا الوحي كان تسكينًا لقلب يوسف وتأكيدًا له بأن الله لن يتركه وحيدًا في هذه المحنة.
تفسير الآية:
الآية الكريمة: (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) (يوسف: 15) تظهر بوضوح كيف أن الله كان يراقب ما يحدث، وكيف أنه كان له خطة لإنقاذ يوسف.
في هذه الآية، يشير الله إلى اللحظة التي قرر فيها الإخوة بالإجماع أن يلقوا يوسف في الجب. كلمة “أجمعوا” تعني أنهم اتفقوا جميعًا على هذا الفعل دون استثناء. وكانت النية في البداية قتله، لكنهم تراجعوا عن ذلك وقرروا أن يلقوه في الجب، على أمل أن يتخلصوا منه للأبد.
لكن الله كان لهم بالمرصاد. فبمجرد أن ألقوا يوسف في الجب، أوحى الله إليه بأنه سينتقم منهم في المستقبل ويخبرهم بما فعلوه وهم في غفلة عن ذلك.
دروس مستفادة:
قصة يوسف عليه السلام تحمل العديد من الدروس والعبر. من بينها:
- حذر من الحسد: الحسد يمكن أن يدفع الإنسان إلى ارتكاب أفعال لا أخلاقية، مثلما فعل إخوة يوسف.
- تدبير الله: الله دائمًا ما يكون له تدبير محكم، حتى في أصعب اللحظات. فما يبدو للإنسان كارثة قد يكون بداية لفرج كبير.
- الصبر: يوسف عليه السلام رغم كل ما مر به، صبر واحتسب، وفي النهاية كافأه الله بمقام عظيم.
- التوبة: الإخوة رغم جرمهم الكبير، إلا أنهم فيما بعد أدركوا خطأهم وتابوا، وهذا يعكس أن باب التوبة مفتوح دائمًا.
خاتمة:
قصة يوسف عليه السلام تعد من أعظم القصص القرآنية التي تعلمنا كيفية مواجهة المحن بالصبر والإيمان. وفي النهاية، ينتصر الحق ويظهر العدل، ويعود يوسف إلى أهله وهو في أرفع مقام، بعدما كان في قاع الجب وحيدًا مستضعفًا.
ملخص
كان يوسف عليه السلام يتمتع بجمال وذكاء وحكمة فائقة، وهو أيضاً أحد الأولاد المفضلين لأبيه يعقوب، الأمر الذي أثار غيرة إخوته الذين شعروا بأنهم لا يحظون بنصيب من حب واهتمام والدهم كما حظي به يوسف، وأيضاً جاء حلم يوسف الذي رأى فيه أنه سيحكم على إخوته وأبيه، مما أثار الغيرة والضغينة لديهم. فقرروا قتله أو إلقائه في بئر، ولكن تم بيعه كعبد إلى تاجرين وتم نقله إلى مصر، حيث حظي باحترام وثقة الفرعون وتعلق به وأعتقه من السجن. وكان كل ذلك من خطة الله تعالى ليجعل يوسف من الأنبياء المبشرين والرسل الذين جاءوا بالهداية والخلاص للبشرية.
